تكوين عادة حب القراءة في نفوس أطفالنا أمر ليس باليسير ، و هو في ذاته في غاية الأهمية ، إذ أن القراءة طريق بإذن الله لطلب العلم ، و هي منهج لعلماء و أئمة الدين في حياتهم ، الواحد منهم يقرأ بالساعات الطوال ، و لن يتحقق ذلك خصوصاً إذا كان الوالدان لا يحبان القراءة ، و للأسف فإن هناك مقولة غدت تطلق علينا بأننا شعوب لا تقرأ .
فما مدى صحة هذه العبارة ؟ و إذا كانت صحيحة إلى حد ما ... فكيف لنا أن نجنب أطفالنا عواقبها و آثارها ؟
إذا نظرت إلى الواقع من حولك تشاهد بيوتاً خالية من الكتب ، كتب مصفوفة للديكور والزينة ، كتب تراكم عليها الغبار ، لا يعرف ما بداخلها ، و لعله من الأفضل أن يتم البحث عن أحد المحسنين والمتطوعين لحملها و وضعها في مكان يتم الاستفادة منها ، لأنها أصبحت في المنزل لا مكان لها ، و خصوصاً بعد امتلأت كثيراً من هذه البيوت والفلل الراقية بالتحف والصور و ربما التماثيل المحرمة .
فضائيات ، فيديو ، إنترنت ، ألعاب كمبيوتر ... كل ذلك لم يترك مجالاً الكتب والقراءة حتى عند الكبار ، فكيف بهؤلاء الأطفال الذين بهرتهم تلك الأشياء واستولت على عقولهم و أوقاتهم و شغلتهم حتى عن طعامهم و نومهم ؟
ما هو الحل لنحبب لأطفالنا القراءة ، و نجعلهم يتلذذون بها ، بل تصبح جزء لا يتجزأ من حياتهم ؟ و إني لأعرف بعض الأشخاص قد أصبحت القراءة حاجة أساسية كحاجته للطعام والشراب ، بل إنه يجد عند تركها ألماً كألم الجوع والعطش !
إن الأمر يحتاج إلى تعاون و تضافر للجهود و دور يقوم به الأفراد والمؤسسات ، و أول مسؤول في هذا هما الوالدان والمعلمون والمعلمات ، خصوصاً معلمي اللغة العربية ـ و هم من طال تذمرهم من ضعف الثقافة المعرفية والحس اللغوي عند الطلاب ... .

وهذا الدور يتمثل في :
ـ الحث على القراءة و بيان فوائدها و آثارها واختيار مثل هذه المواضيع التي تغذي عند القارئ القدرة على التعبير والإملاء .
ـ تقديم المكافآت لرواد المكتبات المدرسية ، والثناء عليهم أمام جميع الطلاب .
ـ تكوين مكتبة منزلية للطفل في غرفته ، و لتكن عامرة بالجديد والجذاب و تمكين الطفل من ترتيبها ، و تنظيمها .
ـ كذلك تهيئة مكان جيد و مريح للقراءة في ساحة المنزل .
ـ القراءة مع الأطفال ، و ذلك لأخذ القدوة من الوالدين والتعود على القراءة .
ـ عمل اشتراك للطفل في مجلة هادفة أو برنامج قراءة و ليكن باسمه و يصل إلى مدرسته إن أمكن .
ـ لا نطلب المثالية في أطفالنا فنرضى باليسير ، فسيأتي اليوم الذي يقرؤون بشغف إن هم أحبوا القراءة .
ـ الصبر على عبثهم مع التوجيه الدائم باحترام الكتب والمحافظة عليها و إخضاعه لعقوبات تتمثل في حرمانه من نزهة يحبها إن عبث بالكتب .
ـ كثرة زيارة المكتبات العامة واصطحاب الأطفال إليها للقراءة ، إن وجدت .
ـ شراء الكتب والقصص التي يحبونها بشرط ألا تحوي أفكاراً منحرفة ، و ترك الفرصة لهم أحياناً ليختاروا ما يعجبهم من المكتبة مع الإشراف والتوجيه .
ـ و ليت الأسرة اليوم توفر شيئاً و لو قليلاً من المبالغ التي تصرف في مدائن الألعاب ، و أماكن الترفيه ، واللعب ، والمطاعم ، لشراء كتب و قصص نافعة يقرؤوها الأولاد .
ـ القراءة بصوت عال أحياناً من قبل الوالدين ليسمع أطفالهم ما يقرؤونه ، و هذا يحتاج إلى فن في الإلقاء والتشويق ليقبل عليه الأطفال و يجذب انتباههم .
ـ يطلب من الطفل أن يقرأ للوالدين قصة أو مقالاً مع تشجيعه والإنصات له .
ـ إعطاء الطفل فسحة من الوقت ليقرأ .
ـ ليكن هدف المربين الأول هو ترغيب الطفل في القراءة ، والسعي لتحقيق هذا الهدف بكل الوسائل ، وليحرص المعلمون والمعلمات في الصفوف المبكرة على تخصيص وقت للقراءة الحرة داخل الفصل ، واستغلال أوقات الفراغ في زيارة المكتبة المدرسية ، و عرض مجموعة من القصص التي تناسب سنهم و طلب القراءة منهم مع إجراء بعض الوسائل المرغبة في القراءة .
كطرح سؤال مثلاً : استخراج اسم ولد ورد في القصة أو اسم جديد أو كلمة تبدأ بحرف كذا ... .
ـ إثارة الحماس بينهم و يمكن تقسيمهم إلى مجموعات .
ـ و من الوسائل أيضاً ترك الفرصة لمعلمي الصفوف المبكرة لابتكار أنواع من الأنشطة في هذا الشأن ، و عدم حصرهم في إتمام المنهج الدراسي فدورهم أعظم ، و ليشجعوا من قبل المشرفين و أولياء الأمور .
ـ إقامة معرض كتب داخل المدارس بين آونة و أخرى ، و عرض الجديد والمفيد ، و إقامة معارض على مستوى الأحياء و مكاتب الإشراف التربوي .
هذا فيما يخص الأفراد ، وأما المؤسسات فلتسع جاهدة لإقامة مكتبات للطفل في كل حي و شارع يمارس فيها الطفل هواية القراءة بكل حرية و دون قيد و لا شرط ، و يمكّن فيها من الاستعارة بإشراف والديه .
و نستطيع القول جازمين إن مكتبات الطفل لم تحقق إلا نسبة ضئيلة من الواقع المأمول ، فهي لا توجد إلا في بعض المناطق ... والطفل فيها يخصص له يوم أو يومان فقط ... و يفرض عليه المشاركة في أنشطة ربما لا يرغبها ، و باقي الأيام يمكّن فيها من الحضور ، فمتى يتعلم أطفالنا القراءة إذن ؟
لذلك من الدور المأمول من المؤسسات تكوين لجان لدراسة " ماذا يقرأ أطفالنا " لشحذ الهمم واستقطاب المواهب والطاقات لتأليف قصص إسلامية و إخراج عمل متكامل مدروس بضوابط الشرع ، بدلاً من قصص السحر والشعوذة والخرافة التي تمتلئ بها المكتبات ، و بدلاً من قصص تهدف إلى ربح مادي على حساب عقول أبنائنا و بناتنا .
أخيراً نعود فنقول :
القراءة ... القراءة ... فهي طريق الإبداع والتفوق بإذن الله ... و هي في الوقت نفسه تحتاج إلى صبر و مجاهدة ، لتعود بعد ذلك لذة و أنساً ، قال يحيى بن أبي كثير : " لا ينال العلم براحة الجسم" .
و يقول ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ : " تأملت عجباً ، و هو أن كل شيء نفيس خطير يطول طريقه ، و يكثر التعب في تحصيله " .
فإن العلم لما كان أشرف الأشياء ، لم يحصل إلا بالتعب والسهر والتكرار و هجر اللذات والراحة .